الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
تلك العبادة التي هجرها كثير من الناس في زماننا، قال ابن القيم -رحمه الله- في إغاثة اللهفان: "وقد دل على وجوب محاسبة النفس قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)(الحشر:18)، يقول -تعالى-: لينظر أحدكم ما قدم ليوم القيامة من الأعمال، أمن الصالحات التي تنجيه، أم من السيئات التي توبقه؟" أ.هـ
وهى عبادة عظيمة القدر والفائدة، وغالباً ما تكون أول طريق الهداية والعزم على الاستقامة على أمر الله تبارك و-تعالى-.
وفوائدها كثيرة جمّة من ذلك:
أنها تُطلعك على عيوب النفس، وكثرة زلاتها وأخطائها التي لا تحصى، ومن ثمّ يمتلئ القلب وجلاً وانكساراً، وحياء من الله -تعالى-.
كما تعرفك عظيمَ حلمِ الله -تعالى-، وعفوه، وكرمه، وجميل ستره، ورحمته بعباده، إذ يمهلهم رغم كثرة إساءتهم، ومن ثـَم يمتلئ القلب حباً ورجاءً للعليم الحليم -جل وعلا-.
كما توقن أنه لا نجاة لك ولا زكاة إلا بتوفيق الله -تعالى-، وعونه ورحمته، وصدق -تعالى- إذ يقول: (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ)(النور:21)
وكذلك فإن معرفة عيوب النفس هو أول سبيل للعزم على إصلاحها وتصفيتها؛ فمن لم يطّلع على عيب نفسه لم يمكنه إزالته، فهي بذلك باعث قوى لمجاهدةِ النفس، والعملِ بما يصلحها من أبواب الخير، وتجنب الآثام والآفات والعثرات التي تفسد عليها سبيل الصلاح والتزكية.
ولذلك فإن ترك محاسبة النفس والغفلة عنها فساد للقلب وهلاك لها، قال ابن القيم -رحمه الله-: "والمقصود أن صلاح القلب بمحاسبة النفس، وفساده بإهمالها والاسترسال معها".
ومن فوائدها: أنها تُهوِّن عليك الحساب يوم القيامة؛ لأنها تذكرك الميزان -ميزان الحسنات والسيئات- فتستعد له لترجح كفة الحسنات، وتخف كفة السيئات؛ لذلك كان عمر -رضي الله عنه- يقول: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وَتَزَيَّنوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية".
وقال الحسن: "المؤمن قوَّام على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنما خفَّ الحسابُ يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شقَّ الحسابُ يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة"، وقال أيضاً: "إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همته".
وقال صاحب الإحياء: "فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسَب خفَّ في القيامة حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن مُنقـَلَبُه ومآبُه، ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته، وطالت في عرصات القيامة وقفاته، وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته".
محاسبة النفس: أن تجلس مع نفسك جلسة صدق في هدوء وسكينة، و يا حبذا في مكان خالٍ عن الشواغل؛ ثم تتفكر في حالك مع الله --عز وجل-- عموما؛ تتفكر في نعم الله عليك الدينية والدنيوية (هداك للإسلام والإيمان والقران، كم سترك! وكم أمهلك! وهبك السمع والبصر، واليد والقدم، والقلب والعقل، واللسان، والمسكن والأهل، والكسب الحلال، وكم فرج من الكربات! و.....) نِعمٌ لا تُعّدُّ ولا تحصى.
ثم تتفكر في كثرة أخطاءك ومعاصيك، وقلة شكرك وطول غفلتك! وتتساءل هل أنت مستحق لهذه النعم، وهذا الستر من الله -تعالى-؟
فإذا أبصرت عظيم فضله، وكثرة نعمه، وأبصرت تقصيرك وغفلتك، امتلأ القلب حياءً من الله، وعزمت على والتوبة الإنابة إليه، ولهجت بالاستغفار والحمد.
ولعل هذه المحاسبة الأولى التي تستوجب الاستفاقة من الغفلة، وتستوجب التوبة والإنابة؛ لذلك قال ابن القيم -رحمه الله-: "والتحقيق: أن التوبة بين محاسبتين محاسبةٍ قبلها تقتضي وجوبَها، ومحاسبة بعدها تقتضي حفظـَها، فالتوبة محفوفة بمحاسبتين".
فإذا حزمت أمرك، وعزمت التوبة كانت لك محاسبة أدقّ:
فتحاسب نفسك أولاً على أداء الفرائض التي أوجبها الله -عز وجل- عليك سواء في العبادات أو المعاملات قال -تعالى- في الحديث القدسي: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ...) رواه البخاري.
فتنظر أين أنت في الصلاة، هل تحفظ أوقاتها وتبادر إليها مقبلاً؟ وأين أنت من استحضار القلب والخشوع؟ هل تتمّمها وتحسن أدائها على الوجه الذي يحبه الله -تعالى- ويرضاه؟ وكذا في الزكاة والصيام والحج.
وكذا أين أنت من بر الوالدين، وصلة الرحم، وحفظ ورعاية من استرعاك الله إياه؟ أين أنت من حفظ الأمانات ووفاء الحقوق، ومن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.....الخ.
ثم تحاسب نفسك في ترك المحرمات: هل أنت بعيدٌ حذِر من الحرام والتعرض للفتن، وما يغضب الله -عز وجل-، أم أنك متهاون مفرط مغتر برحمة الله؛
فإذا حاسبت نفسك في هذا، ووجدت خللا، وأدركت الخطرَ، تداركت ذلك بتوبة واجبة من ترك مأمور أو فعل محظور!!
ثم تحاسب نفسك: أين أنت من الاستكثار من الحسنات، وتثقيل الميزان؟! فتحاسبها على فعل المستحبات وترك المكروهات: (وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ..) رواه البخاري، فهل تكثر من نوافل الصلاة والصيام، وصدقات السر، وإطعام المساكين، وكفالة الأيتام؟ وهل تحافظ على الأذكار، وتلاوة القران.. وغير ذلك من أبواب البر؟ وهل فكرت في ترك المكروهات قربةً وزلفى إلى الله -تعالى-؟
تلك العبادة التي هجرها كثير من الناس في زماننا، قال ابن القيم -رحمه الله- في إغاثة اللهفان: "وقد دل على وجوب محاسبة النفس قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)(الحشر:18)، يقول -تعالى-: لينظر أحدكم ما قدم ليوم القيامة من الأعمال، أمن الصالحات التي تنجيه، أم من السيئات التي توبقه؟" أ.هـ
وهى عبادة عظيمة القدر والفائدة، وغالباً ما تكون أول طريق الهداية والعزم على الاستقامة على أمر الله تبارك و-تعالى-.
وفوائدها كثيرة جمّة من ذلك:
أنها تُطلعك على عيوب النفس، وكثرة زلاتها وأخطائها التي لا تحصى، ومن ثمّ يمتلئ القلب وجلاً وانكساراً، وحياء من الله -تعالى-.
كما تعرفك عظيمَ حلمِ الله -تعالى-، وعفوه، وكرمه، وجميل ستره، ورحمته بعباده، إذ يمهلهم رغم كثرة إساءتهم، ومن ثـَم يمتلئ القلب حباً ورجاءً للعليم الحليم -جل وعلا-.
كما توقن أنه لا نجاة لك ولا زكاة إلا بتوفيق الله -تعالى-، وعونه ورحمته، وصدق -تعالى- إذ يقول: (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ)(النور:21)
وكذلك فإن معرفة عيوب النفس هو أول سبيل للعزم على إصلاحها وتصفيتها؛ فمن لم يطّلع على عيب نفسه لم يمكنه إزالته، فهي بذلك باعث قوى لمجاهدةِ النفس، والعملِ بما يصلحها من أبواب الخير، وتجنب الآثام والآفات والعثرات التي تفسد عليها سبيل الصلاح والتزكية.
ولذلك فإن ترك محاسبة النفس والغفلة عنها فساد للقلب وهلاك لها، قال ابن القيم -رحمه الله-: "والمقصود أن صلاح القلب بمحاسبة النفس، وفساده بإهمالها والاسترسال معها".
ومن فوائدها: أنها تُهوِّن عليك الحساب يوم القيامة؛ لأنها تذكرك الميزان -ميزان الحسنات والسيئات- فتستعد له لترجح كفة الحسنات، وتخف كفة السيئات؛ لذلك كان عمر -رضي الله عنه- يقول: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وَتَزَيَّنوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية".
وقال الحسن: "المؤمن قوَّام على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنما خفَّ الحسابُ يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شقَّ الحسابُ يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة"، وقال أيضاً: "إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همته".
وقال صاحب الإحياء: "فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسَب خفَّ في القيامة حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن مُنقـَلَبُه ومآبُه، ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته، وطالت في عرصات القيامة وقفاته، وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته".
محاسبة النفس: أن تجلس مع نفسك جلسة صدق في هدوء وسكينة، و يا حبذا في مكان خالٍ عن الشواغل؛ ثم تتفكر في حالك مع الله --عز وجل-- عموما؛ تتفكر في نعم الله عليك الدينية والدنيوية (هداك للإسلام والإيمان والقران، كم سترك! وكم أمهلك! وهبك السمع والبصر، واليد والقدم، والقلب والعقل، واللسان، والمسكن والأهل، والكسب الحلال، وكم فرج من الكربات! و.....) نِعمٌ لا تُعّدُّ ولا تحصى.
ثم تتفكر في كثرة أخطاءك ومعاصيك، وقلة شكرك وطول غفلتك! وتتساءل هل أنت مستحق لهذه النعم، وهذا الستر من الله -تعالى-؟
فإذا أبصرت عظيم فضله، وكثرة نعمه، وأبصرت تقصيرك وغفلتك، امتلأ القلب حياءً من الله، وعزمت على والتوبة الإنابة إليه، ولهجت بالاستغفار والحمد.
ولعل هذه المحاسبة الأولى التي تستوجب الاستفاقة من الغفلة، وتستوجب التوبة والإنابة؛ لذلك قال ابن القيم -رحمه الله-: "والتحقيق: أن التوبة بين محاسبتين محاسبةٍ قبلها تقتضي وجوبَها، ومحاسبة بعدها تقتضي حفظـَها، فالتوبة محفوفة بمحاسبتين".
فإذا حزمت أمرك، وعزمت التوبة كانت لك محاسبة أدقّ:
فتحاسب نفسك أولاً على أداء الفرائض التي أوجبها الله -عز وجل- عليك سواء في العبادات أو المعاملات قال -تعالى- في الحديث القدسي: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ...) رواه البخاري.
فتنظر أين أنت في الصلاة، هل تحفظ أوقاتها وتبادر إليها مقبلاً؟ وأين أنت من استحضار القلب والخشوع؟ هل تتمّمها وتحسن أدائها على الوجه الذي يحبه الله -تعالى- ويرضاه؟ وكذا في الزكاة والصيام والحج.
وكذا أين أنت من بر الوالدين، وصلة الرحم، وحفظ ورعاية من استرعاك الله إياه؟ أين أنت من حفظ الأمانات ووفاء الحقوق، ومن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.....الخ.
ثم تحاسب نفسك في ترك المحرمات: هل أنت بعيدٌ حذِر من الحرام والتعرض للفتن، وما يغضب الله -عز وجل-، أم أنك متهاون مفرط مغتر برحمة الله؛
فإذا حاسبت نفسك في هذا، ووجدت خللا، وأدركت الخطرَ، تداركت ذلك بتوبة واجبة من ترك مأمور أو فعل محظور!!
ثم تحاسب نفسك: أين أنت من الاستكثار من الحسنات، وتثقيل الميزان؟! فتحاسبها على فعل المستحبات وترك المكروهات: (وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ..) رواه البخاري، فهل تكثر من نوافل الصلاة والصيام، وصدقات السر، وإطعام المساكين، وكفالة الأيتام؟ وهل تحافظ على الأذكار، وتلاوة القران.. وغير ذلك من أبواب البر؟ وهل فكرت في ترك المكروهات قربةً وزلفى إلى الله -تعالى-؟